اختلف الباحثون من الفلاسفة وعلماء النفس في مفهوم الابداع, فبعضهم يرى في الابداع مظهرا من مظاهر خصوبة التفكير فعقل المبدع في نظرهم لا يتوقف بإنتاج فيض غزير من الصور الابداعية وبعضهم الاخر يرى ان قيمة العمل الإبداعي تكمن في قيمة هذا العمل بالنسبة للمبدع وبالنسبة للإعمال الاخرى للمبدعين والمفكرين المعاصرين لهذا المبدع ويرى فريق ثالث انه لا يستدل على الابداع من خلال الاعمال الملموسة وانما ينبغي الكشف عن القدرات الابداعية عند الطلبة. ان الابداع له تاريخ طويل جدا يرجع الى الخمسينيات عندما القى جيلفورد (1950) حديثه امام جمعية علم النفس الامريكية يطلب فيه ضرورة دراسة وتطوير الابداع واكتشاف المواهب الابداعية لدى الافراد وتنميتها. ومن المعروف ان الظاهرة الابداعية كانت موجودة منذ وجود الانسان على هذه الارض حيث كانت هناك دائما رغبة من قبل الانسان من اجل البحث عن الجديد وحب الاستطلاع والتغيير والتجديد والاستمتاع حتى وهو يمارس سلوكه اليومي وكان دائما يمارس ذلك رغبة ملحة منه نحو التجديد. اذن الابداع هو قدرة ذهنية تدفع الفرد الى السعي والبحث عن الجديد او هو عملية تحقيق نتائج متميزة او هو القدرة على انتاج شيء جديد او هو القدرة على تقديم الحلول المبتكرة لذا فأن الابداع هو انتاج الجديد والنادر المختلف والمفيد فكرا او عملا وهو بذلك يعتمد على الانجاز الملموس. ان الابداع هو قدرة الفرد على التفكير الحر الذي يمكنه من اكتشاف المشكلات والمواقف الغامضة ومن اعادة صياغة عناصر الخبرة في انماط جديدة عن طريق تقديم اكبر عدد من البدائل لإعادة صياغة هذه الخبرة بأساليب متنوعة وملائمة للموقف الذي يلائمه الفرد بحيث تتميز هذه الانماط الجديدة الناتجة بالحداثة لإفراد المجتمع وهذه القدرة يمكن التدريب عليها وتنميتها. ومن المعروف ان هناك ناتجا لهذه الانماط الجديدة والذي يطلق عليه الباحثون والمربون اسم الناتج الابداعي ويعتقد معظم الناس ان الابداع هو الشيء المنتج او المخترع , والابداع لا يؤدي في معظم الاحيان الى ظهور انتاج يمكن الحكم عليه, فأحلام اليقظة تنتج شيئا جديدا ومختلفا لكننا لا نراه ,لذلك فأن الابداع يمن ان يحكم عليه بانه عملية ينتج عنها شيئا جديدا او فكرة او موضوعا جديدا في تنظيمه وشكله, والتركيز على الانتاج هنا يعتمد على الشكل النهائي للعملية وهو الذي يحدد مفهوم الابداع. لذلك فان الابداع ظاهرة ذهنية متقدمة يعالج الفرد فيها الاشياء والمواقف والخبرات والمشاكل بطريقة فريدة او غير مألوفة , ويعد الابداع ظاهرة متعددة الوجوه وتتضمن انتاجا جديدا او اصيلا وذا قيمة من قبل الفرد او الجماعة وهو نشاط ذهني او عملية تقود انتاجا يتصف بالجدة والاصالة والقيمة في المجتمع ويتضمن ايجاد حلول جديدة للأفكار والمشكلات والمناهج. ان الشخص المبدع هو الشخص الناضج انفعاليا الذي يشعر بالألفة في العالم الذي يعيش فيه, كما يشعر بالوئام مع نفسه , وانه يستطيع ان يحافظ على نفسه في المجتمع ويساهم في عملية البناء فضلا عما يحققه من اشباع عميق لنفسه ويمتلك صفات مزاجية سوية ولديه الحافز القوي والتحمل والفضول الثقافي , والالتزام العميق, والاستقلال في الفكر ,والعمل ,والرغبة القوية لإدراك الذات , والاساس القوسي بالنفس. ان الابداع بمعناه العام يعبر عن القدرة في تصور وخلق اعمال ذات صفة تعبيرية او تشكيلية او انتاجية او سلوكية تتميز بالذاتية والجدية والقيمة الجمالية او المعنوية او النفعية, ولهذا فأن نوعية بعض الافراد تدخل في خانة المبدعين كالأدباء والمخترعين والعلماء المجتهدين والمفكرين والصناع المتميزين, لذا أن الابداع يظهر لدى الافراد في سن متأخرة قد تكون بين (العشرين والخمسين) من العمر. ونستطيع ان نأتي ببعض الامثلة على عملية الابداع فـأن (اديسون) عندما بلغ (الثانية عشرة)من عمره بدأ في اختراع افكار جديدة , وساعد في اختراع التلغراف والهاتف والفوتوغراف, وان (ارمسترونج) رائد الفضاء الامريكي وهو اول انسان وصل الى سطح القمر, وكذلك (البرت اينشتاين) عالم الفيزياء المشهور بالنظرية النسبية حيث كون علاقة بين الكتلة والطاقة والزمن, وقد ادت هذه العلاقة الجديدة الى اكتشاف القنبلة الذرية. وتأسيسا على تلك الحقائق فأن طلبة المدارس لا يدخلون جميعهم في خانة المبدعين, ولكن التربية الابداعية تعدهم وتنمي قدراتهم ومهاراتهم ليكونوا مبدعين, وقد اسهم (جيلفورد) في دراساته بأحداث نقلة نوعية في التربية من الذكاء الى الابداع عندما اثبت وجود ما اطلق عليه (التفكير الافتراقي او التشعبي او التباعدي او المختلف) والذي يبطن عملية الابداع المعرفي عند الطالب وهو تفكير يختلف عما اطلق عليه بالتفكير الاتفاقي( التفكير التجمعي او التقاربي او المؤتلف) وهو تفكير يفتقد صفة التفرد في الرؤية وفي التكوين وهيالصفة اللازمة للإبداع الفكري, وهذا النوع من الابداع يتفوق على كل الانواع الاخرى غير النظرية او غير المعرفية, اي ان هناك نوعان من التفكير لتقديم حلول للمشكلات احدهما يعرف بالتفكير التقاربي او التفكير القريب من المألوف والتقليدي, والذي لا يؤدي الا كل وحيد للمشكلة, والاخر يعرف بالتفكير التباعدي او التفكير الحر الذي يتوصل من خلاله الى عدة حلول لمشكلة واحدة.
الابداع والتربية
- Home
- الابداع والتربية