الشخصية الثقافية وعلاقتها بالتربية
ا.م شاهين سهام عبدالرزاق
كلية التربية المقداد / جامعة ديالى
يرى علماء الانثروبولوجي ان الشخصية تتألف من عناصر فريدة خاصة بالفرد نفسه , وعناصر معيارية اجتماعية , فكل انسان يشبه جميع الناس في نواحٍ معينة , ويشبه بعضهم في نواحٍ اخرى , وينفرد بخصائص معينة , بمعنى انه لا يشبه احدا في هذه الخصائص . فهو يشبه جميع الناس في النواحي البيولوجية ووجوب توافقه مع افراد مجتمعه والتعامل معهم , ويشبه بعض الناس من حيث انتمائه الى ثقافة فرعية معينة , او قيامه بنفس العمل .وهو لا يشبه اي شخص اخر في طرق ادراكه وشعوره وحاجاته وسلوكه . ويرى علماء الانثروبولوجي ايضا ان التعلم الاجتماعي هو عملية أساسية في تشكيل الشخصية المقبولة من المجتمع , والعناصر المتعلمة في الشخصية متنوعة وعديدة وتتراوح بين عناصر فردية خاصة بالشخص , وعناصر يشترك بها اشتراكا عاماً مع الاخرين , ودور التربية يتمثل في الاهتمام بهذين الجانبين , بحيث لا يطغى جانب منهما على الاخر بمعنى انه يجب الاهتمام بالنواحي الفردية الشخصية والجوانب الاجتماعية المشتركة عند بناء المناهج وتنفيذها في المؤسسة التربوية . فبالإضافة الى التعرف الدقيق على طبيعة الطالب وإمكاناته في النواحي المعرفية والجسمية والنفسية , يجب التعرف على الظروف والبيئة التي يعيش فيها , والأُطر الثقافية التي عاصرها وتربى فيها ,لان كل هذه النواحي تؤثر في بناء شخصية الطالب , مما يفرض اعتبارات كثيرة على عملية بناء المناهج الدراسية التي وإن كان لها وظيفة اجتماعية , الا أنه يجب الا ينظر اليها بمعزلٍ عن الفرد الذي هو الوحدة التي يقوم عليها المجتمع . إن دور المجتمع هو تحديد نوعية الفرد الذي يجب تربيته , وهذه مسؤولية التربويين , فيقررون كيف تكون عملية التربية , وكيف تكون التربية والتنشئة لديهم من هو هذا , وما امكاناته وظروفه وخبراته السابقة , وما مفاهيمه واتجاهاته وعاداته وانماط تفكيره , بمعنى ما مكونات شخصيته الثقافية. لذا فأن مهمة المدرسة في تكوين الشخصية الثقافية للطلبة تتم من خلال تحريرهم من الارتباط الانفعالي الاولي بالأسرة , والعمل على تنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة , ومساعدتهم على اكتساب مستوى من القيم الاجتماعية والمعايير أعلى من المستوى الذي يستطيعون تعلمه في الاسرة , مما يساعد على ايجاد قدر مشترك من الثقافة بين افراد المجتمع يعمل على تماسكه وخلق لغة مشتركة من التفاهم والتعاون بين هؤلاء الافراد وذلك من خلال تضمين المناهج المواقف والخبرات المناسبة لإكساب الطالب الأفكار والعادات والتقاليد وانماط السلوك التي تكفل له الأساليب المقبولة اجتماعياً لإشباع حاجاته البيولوجية والاجتماعية والنفسية . لذا تُعد التربية عملية نمو موجه للطالب , يصل فيها النضج الثقافي للطالب كقوة ايجابية في تغيير نفسهِ ومجتمعهِ, ولتحقيق ذلك فإن الطالب يتعلم كيف يكيّف حاجاته ورغباته وفق مقتضيات الثقافة السائدة , كما يتعلم كيف يكيّف عناصر الثقافة لخدمة مصالحه وتحقيق رغباته ,هذا التكيف القائم على التفاعل الايجابي بين الطالب وثقافته ومجتمعه . وهكذا نستطيع ان نحدد العلاقة بين التربية والتغير الثقافي على نحو يبين ضرورة متابعه التربية لمسيرةالتغير الثقافي وتوجيهه وفق مصالح الفرد والمجتمع . ان العلاقة بين التربية والثقافة هي علاقة تبادلية , والتربية وسيلة أساسية لزيادة العناصر الثقافية الجديدة في المجتمع من ناحية , ووسيلة المجتمع ايضاً للقضاء على المشكلات الاجتماعية التي تنشأ من انتشار هذه العناصر الجديدة وصراعاتها مع العناصر الثقافية السائدة من ناحية اخرى. فنحن بحاجة الى التربية وذلك للتغيير الثقافي الذي يطرأ على المجتمع في عصر التكنلوجيا , والتغير السريع في جميع نواحي الحياة , فعندما يزداد التغير الثقافي فإن عدد المشاكل الاجتماعية الناجحة عنه تزداد عدداً , كما تزداد عمقاً وشدة , مما يهدد تماسك الجماعة وتكاملها , وهنا يأتي دور التربية الايجابي في مواجهة هذا التغير والتصدي للمشكلات الناجمة عنه, حتى تساعد الافراد على حسن التكيف وذلك بالتغلغل داخل الشخصيات الانسانية ومساعدتها في عملية البناء من جديد . ان هذه العملية عملية دمج الطالب في الجماعة بقيمها وعاداتها وسلوكياتها وتصوراتها هي ما تسمى بعملية التنشئة الاجتماعية , وهي ليست ذات أهمية بالنسبة للمجتمع فقط, حيث يضمن عن طريقها استمرار ثقافته, وهي مهمة للفرد ايضاً لكي يستطيع إشباع حاجاته البيولوجية والجسمية والنفسية والاجتماعية , ومن ثم تظهر اهمية التربية في عملية التشكيل الاجتماعي للأفراد .