المقال الاسبوعي

اللغة العربية والهوية الثقافية جسر بين الماضي والحاضر
م.م هيجاء ضياء الدين حسين

ان العلاقة الوثيقة بين اللغة العربية والهوية الثقافية لها جذور متداخلة يمكن وصفها بانها غائرة وعميقة في تاريخ حضارتنا ، اذ تعتبر اللغة مرآة لتاريخ وتراث الشعوب المختلفة ، وعنصراً حاسماً في تحديد هوية الفرد والمجتمع ، اذ يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد ، حيث كانت تستخدم بشكل شفوي في المنطقة العربية ، ثم تطورت بعد ذلك عبر الفترات التاريخية المختلفة بدءًا من الفترة الجاهلية وصولاً إلى العصر الإسلامي الذي يعد العصر الذهبي لازدهارها بفضل القران الكريم .
تأثرت اللغة العربية بالعديد من الحضارات واللغات الأخرى مما أثر على تشكلها وتطورها على مر العصور وفقًا للعلاقات الثقافية والتبادل اللغوي مع الشعوب الأخرى في المنطق ، وكما هو معلوم ان اللغة العربية قد ارتبطت بشكل وثيق بالأدب العربي ، حيث كان للغة دور كبير في تشكيل الأدب وتطوره ، فقد اسهمت في إثراء الأدب العربي من خلال الشعر والنثر والخطابة والقصص والروايات ، ولا يقتصر تأثيرها على الأسلوب والتعبير فحسب، بل تعدى ذلك ليمتد إلى القيم والتراث والهويَّة الثقافية ، ومن المثير للاهتمام أن اللغة العربية قد قامت بدور محوري في نمو الأدب العربي ونشره على مر الاعصار واختلاف الامصار، كما لا يخفى دورها الكبير في نشر الدين الإسلامي، اذ تعتبر اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولغة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، وبالتالي فإن تعلم اللغة يُسهم في فهم العقيدة الإسلامية وممارستها ، فقد انتشرت اللغة العربية مع انتشار الإسلام في مختلف أنحاء العالم، حيث استخدمت كوسيلة لنشر الدين الإسلامي وتعليمه ، وهو أمر بالغ الأهمية في فهم تاريخ وثقافة المسلمين .
قدمت التكنولوجيا تحديات جديدة للغة العربية، حيث اصبح الناس يتواصلون بشكل كبير عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بلغات أخرى، مما قد يؤثر سلبا على استخدام اللغة العربية ، فالكثير من الشبان في يومنا الحاضر يفضلون استخدام اللغة الإنجليزية في تواصلهم عبر الإنترنت وتطبيقاته، ناهيك عن مواجهتها الكثير من التحديات في مجال تكنولوجيا المعلومات، كقلة المحتوى الرقمي باللغة العربية ونقص الأدوات التكنولوجية المتوافقة مع اللغة، وعلى الرغم من ذلك تظل هناك فرص كبيرة لتعزيز استخدام اللغة وإثراء المحتوى العربي على الإنترنت، من خلال التطوير التكنولوجي باللغة العربية لجعلها مواكبة للتطور الحديث ، وكذلك تشجيع المؤسسات الحكومية وغيرها على دعم إنتاج المحتوى الرقمي باللغة العربية ، وتعزيز استخدام اللغة في المجالات الرقمية مثل التعليم عن بعد ، وتطوير التطبيقات ومواقع الويب باللغة العربية ، ولا يفوتنا في هذا الموضع ان نذكر ما تتميز به لغتنا العربية من تنوع في لهجاتها التي تعكس الثقافات والبيئات المختلفة للمتحدثين بها ، فهذه اللهجات على اختلافها تعد جزءًا حيويًا من الهوية اللغوية للأفراد والمجتمعات، إذ تشكل كل لهجة عربية جزءًا من التراث اللغوي والثقافي، فكل لهجة من اللهجات تحمل خصوصياتها اللغوية والاجتماعية التي تنعكس فيها طريقة التعبير واستخدام المصطلحات ، وعلاوة على ذلك، يمكن للهجات أن تكون وسيلة للتعبير عن الانتماء الثقافي والاجتماعي، مما يعزز جانب الانفتاح على التنوع اللغوي والثقافي للمجتمعات الناطقة بالعربية التي يتحدث بها الملايين في الدول العربية وأيضًا في العديد من الدول الأخرى ، اضافة الى كونها اللغة الرسمية للعديد من الدول ولها تأثير كبير في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسة والاقتصادية والثقافية والدينية ، كونها لغة مشتركة للتواصل بين الناس المنتشرين في أماكن مختلفة من العالم بسبب الهجرة والعمل، مما جعلها جسرًا للتواصل والتفاهم ، مما اسهم في انتشارها في أنحاء شاسعة من عالمنا الكبير ، حيث يتحدث بها الناس في الوطن العربي بشكل رئيسي ، اضافة الى كونها لغة ثانية للكثير من البلدان الاخرى في الوقت الحاضر، اذ اصبح ممكنا للكثير من الاشخاص حول العالم أن يتعلموا اللغة العربية عن طريق الدورات التعليمية والموارد المتاحة عبر الإنترنت ، وبالنظر إلى هذه الأهمية الثقافية والدينية الكبيرة التي تحملها اللغة العربية، يظل انتشارها يلعب دوراً حيوياً في تعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة والتواصل العابر للحدود. ومما لا شك فيه ان التعليم والتربية من اساسيات حفظ وتعزيز اللغة العربية، وبالتالي يجب أن يكون هناك استراتيجيات وبرامج تعليمية مستمرة لتعزيز تعليم اللغة العربية بشكل صحيح وفعال ، وهذا لا يكون الا من خلال المناهج المحدثة الملائمة لاحتياجات الطلاب عن طريق شمولها لمهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة ، كما يتعين أيضًا على المدارس العمل على تشجيع الطلاب على استخدام اللغة العربية في الحياة اليومية وتقديرها كجزء من هويتهم الثقافية ، ومما سبق يمكننا القول أن اللغة العربية تعتبر جسرًا حقيقيًا بين الماضي والحاضر، حيث تُعزز الهوية الثقافية العربية وتحمل في طياتها تاريخًا عريقًا وحضارة عظيمة ، لذلك، من الضروري تبني استراتيجيات لحفظ وتعزيز اللغة العربية والارتقاء بها في المجتمعات العربية والعالمية ، من خلال تحسين طرق التدريس والتعليم وتشجيع البحث العلمي حول اللغة العربية وتأثيرها على الهوية الثقافية.