ان ظاهرة المناهج الدراسية حديثة نسبيا بوصفها مجالا للمعرفة ,وميدانا للبحث العلمي , ولعلها تنفرد بين علوم التربية بانها تمثل المفهوم التربوي المحض وميدان البحث العلمي الذي يبدو تربويا خالصا وذلك من خلال مقارنته بالعلوم الاخرى مثل :فلسفة التربية والادارة المدرسية, وعلم النفس التربوي, وعلم الاجتماع التربوي.
لذا فان فلسفة التغيير الجذري هي احدث الفلسفات لم تتح لها فرص كافية لتوضيح نظريتها بالممارسة الفعلية في المدرسة ,وهي تشبه لأول وهلة بالفلسفة التقدمية من حيث وفرة الانشطة ومسؤولية الطلبة في الحصول على الحقائق المتصلة بها, الا ان الاختلاف بينهما يتمثل في محتوى البرنامج.
بينما يختار الطلبة انفسهم المشكلات التي ينهمكون في دراستها ,نجد ان فلسفة التغيير الجذري تهتم بالمشكلات الناشئة عن الازمات الاجتماعية التي يعيشها الناس وتوجه الطلبة ان يقترحوا الحلول المناسبة لها بل انها ايضا ترى من واجبهم ان يعملوا مع الكبار في المجتمع على وضع هذه الحلول موضع التنفيذ لإقامة مجتمع افضل.
ان الاسس التي تعتمد عليها هذه الفلسفة شائعة بين المربين والمحدثين, فأصحاب هذه الفلسفة يؤمنون بوحدة الفرد, بمعنى ان العقل والجسم جانبان مهمان من جوانب الكائن المتكامل, وان الفرد عندما يقوم بنشاط ما فإنما يقوم به ككائن متكامل مستخدما في ذلك قواه العقلية ووظائفه الجسمية لمواجهة المواقف وممارسة الانشطة التي يقوم بها الفرد.
علاوة على ذلك فان هذه الفلسفة تنظر الى القيم الروحية والمثل العليا هي حقائق خالدة ,وان الافكار ازلية وكونية ,وان العقل الانساني يمثل حقيقة كونية تعلي من شأن العقل, وتنظر الى التربية على اعتبارها عملية تدريب عقلي واخلاقي عن طريق حشو الذهن بالمعرفة.
اما الفلسفة التي ترى ان المادة هي الاصل في وجود الانسان وان الانسان عبارة عن مادة, وان العقل ليس الا وظيفة لإشكال دقيقة ومعقدة للمادة, وهو نتاج المادة وليس العكس ,فأنها تهتم بالجانب العملي ولا تعترف بالجوانب الروحية للإنسان.
ان اهداف التربية هو تحسين السلوك والطرق التي يعيش بها الافراد معا, ولا يكفي ان يعرف الانسان ما ينبغي عليه عمله, بل يجب ان يصحب ذلك تهيئة مجال التطبيق العملي لتلك القيم التي تراكمت من الخبرات السابقة للمجتمع, وذلك للتأكد من ان الحياة وفقها لا تزال تحقق للفرد اهدافه رغم التغيرات الاجتماعية المستمرة, لذا فأن انصار هذه الفلسفة يؤيدون التنظيم الوظيفي للمنهج ليخدم حاجات الحياة المهمة للطلبة انفسهم.
ان نظرية المعرفة جزء من النظرية التربوية التي يستند اليها المنهج التربوي, ذلك لان أي منهج لا بد ان يستند الى فكر تربوي او نظرية تربوية تأخذ بنظر الاعتبار جميع العوامل التي تؤثر في عملية وضعه وتنفيذه, وحتى تكون هذه النظرية متكاملة يفترض فيها ان تكون ذات ابعاد تشمل فلسفة المجتمع الذي نعيش فيه, وطبيعة الطلبة الذين نعدهم ونربيهم ,ونوع المعرفة التي نرغب في تزويدهم بها.
ويسود الفكر التربوي موقفان اساسيان بالنسبة للمعرفة, فهناك الفكر التربوي التقليدي وهناك الفكر التربوي التقدمي, وكل منهما يختلف عن الاخر في النظر الى المعرفة ومكانتها في العملية التربوية .ان الفكر التربوي التقليدي ينظر الى المعرفة باعتبارها هدفا في حد ذاتها ,ومن ثم تكرس كافة الجهود والامكانات للسعي وراء تحقيق هذا الهدف, ولذلك جاءت المعرفة محورا للمناهج الدراسية التي نظر اليها باعتبارها وسيلة لنقل الصغار من عالمهم المحدود ال عالم الكبار, بينما تنظر التربية التقدمية الى المعرفة باعتبارها جزءا مكملا لحياة الافراد ,فضلا عن انها اداة للإعداد لحياة الكبار ولذلك نجد ان اصحاب هذا الفكر يولون اهتماما خاصا بالخبرات التي تم اتاحتها للفرد لجعله واعيا بمجريات الامور من حوله, قادرا على ممارسة الدور الفعال فيها.
وقد اختلف فلاسفة نظرية المعرفة حول ماهية المعرفة وطبيعتها هل هي ذاتية ام موضوعية؟ ام ذاتية وموضوعية معا؟.
*من الفلاسفة من قال ان المعرفة ذاتية ,وهذا يعني عند التربويين ان نهتم بالطالب.
*ومن الفلاسفة من قال ان المعرفة موضوعية, وهذا يعني عند التربويين ان نهتم بالمادة التعليمية.
*ومن الفلاسفة من قال ان المعرفة ذاتية وموضوعية وهذا يعني عن التربويين ان نهتم بالطالب والمادة التعليمية معا وهو القول الارجح لان المعرفة نسبية حتى في العلوم الطبيعية ,اذ لا يوجد معرفة مطلقة.
اذن تحدث العملية التعليمية نتيجة للأنشطة التي يشترك فيها الفرد لتحقيق مجموعة من الاغراض في ذهنه وهذه الاغراض تجدد طبيعة التعلم الذي يكتسبه الفرد وبينما ان الاغراض التي يمتلكها الفرد هي نتاج حاجاته الفسيولوجية والاجتماعية ولابد لهذه الحاجات ان يتم اشباعها عن طريق البيئة الاجتماعية التي عاش فيها الفرد والتي لايزال يعيش فيها.ان التفكير السليم في أي مشكلة تعليمية ومعرفية يقتضي الاستفادة من الخبرة الماضية للمجتمع والقيم السائدة فيه لمواجهة المواقف الشبيهة ,على ان الفرد يجب ان يكون حرا في تقويم انماط القيم المتوفرة في كيانه ووجوده لتساعده في الكشف عن اوجه الاختلاف بين المواقف الجديدة والقديمة ,مما يهديه الى اتباع وسائل جديدة اكثر فاعلية لمواجهة تلك المواقف.
يؤكد بعض المربين بانه يجب ان نعتمد على الفلسفتين (التقليدية والتقدمية) والتوفيق فيما بينهما والاستفادة منهما في بناء المناهج الدراسية, ومن بين هؤلاء المربين (جون ديوي) وذلك لان الطفل يحتاج في نموه الى خبرات التراث الثقافي فالفلسفة التربوية التي نحتاج اليها في عصرنا الحديث هذا يجب ان تجمع بين فضائل الفلسفة الاساسية المحافظة والفلسفة التجريبية التقدمية ,أي بين اشباع حاجات وميول الاطفال والشباب وخدمة حاجات البيئة المحلية والمجتمع بوجه عام, وبين استمرار الاهتمام والعناية بالتراث البشري الاجتماعي بالقدر الذي يساعد على فهم المشكلات القائمة ,وعلى تطوير المجتمع وتقدمه من خلال الاهتمام بالعملية التعليمية وتطوير المناهج الدراسية
توظيف الفلسفة والمعرفة في بناء المناهج الدراسية
- Home
- توظيف الفلسفة والمعرفة في بناء المناهج الدراسية