ان البحث في ميدان الاسرة والمدرسة لم تكن وليدة الصدفة , بل كانت نتيجة لمختلف التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرضت لها هاتين المؤسستين وانعكس تأثير كل واحدة منها على الاخرى.
ان التغيرات التي طالت الاسرة هو دخول المرأة سوق العمل والانتظام في التعليم وخاصة الفتيات اليافعات وانخفاض الولادات والتغيرات التي حدثت في الاسرة وتغير الادوار بينهم.
اما تلك التي طالت المدرسة فنذكر منها طول بقاء الطلبة في المدارس وهي تبدأ من الحضانة الى مرحلة التعليم الالزامي في المرحلة الابتدائية مرورا بالمرحلة المتوسطة والاعدادية والذي تعدد فيها الانواع العديدة من التعليم مما ادى الى ازدياد فرص الالتحاق في التعليم العالي(الكليات والجامعات) فنتيجة لهذه التغيرات التي طغت على الاسرة والمدرسة, ونظرا لهذه الملامح التي شاعت بين هاتين المؤسستين, تغيرت وتجددت العديد من الجوانب المهمة التي تطرح العديد من الاسئلة حول تلك العلاقة واصبحت العلاقة تفرض نفسها كإشكالية نظرا للضغوط التي تتعرض لها كل من هاتين المؤسستين.
اذن المؤسسة هي مؤسسة اجتماعية ضرورية تهدف الى ضمان عملية التواصل بين العائلة والدولة من اجل اعداد الاجيال الجديدة ودمجها في اطار الحياة الاجتماعية وهي نظام معقد من السلوك المنظم الذي يهدف الى تحقيق جملة من الوظائف في اطار النظام الاجتماعي القائم.
وينظر (ارنولد كلوس) الى المدرسة بوصفها نسقا منظما من العقائد والقيم والتقاليد وانماط التفكير والسلوك التي تتجسد في بنية المدرسة وفي ايديولوجيتها الخاصة ويؤكد (شيبمان) بان المدرسة هي شبكة من المراكز والادوار التي يقوم بها المعلمون والطلبة حيث يتم اكتساب المعايير التي تحدد لهم ادوارهم المستقبلية في الحياة الاجتماعية.
يعالج علم الاجتماع موضوع اعادة الانتاج دون الاهتمام بما يجري داخل الاسرة اذ ان منظروا هذا التيار اهتموا بالأسرة من باب ان الارث الثقافي الذي ينتقل من جيل لآخر ويحول الى رأس مال الثقافي ونوعا من العادات ونظام من القيم المستنبطة والتي تساهم في تحديد المواقف تجاه المؤسسة المدرسية.
ان هذا الموقف جعل وجود العائلة يقتصر على مركز لتحويل هذا الارث وتم اغفال ان عملية التحويل تتطلب استثمار وعمل من قبل الطالب في المدرسة الذي هو الابن في الاسرة .
ويؤكد (ببوودن) الى معارضة هذا الطرح مقترحا مقاربة تعتمد على اختيارات الافراد بحيث نبه الى ان للأسرة دورا من خلال القرارات التي تؤخذ عند كل توجه دراسي من خلال حساب التكلفة والربح وهو ما بينه (باليون) من خلال دراسته التي تؤكد على ان للأسرة استراتيجيات تتمثل في اختيار المؤسسة التي تناسبهم مشبها المؤسسة المدرسية بانها سوف تخضع للعرض والطلب فالمدرسة ليست خدمة الطبقات المسيطرة ولكن للأفراد هامش من الحرية في اختيار المؤسسة التي تناسبهم فهذه التحليلات وغيرها من البحوث التي تناولت المسار العائلي والمشاريع العائلية والنجاح المدرسي قد اثارت الانتباه الى دور الاسرة ومدى فاعليتها في احداث الفروق بين مسارات الطلبة.
لقد اتجه علم الاجتماع وعلم النفس التربوي خلال الفترة من عام(1980-2000) الى تحليل بعض العوامل غير الظاهرة من جراء تأثير الاصل الاجتماعي والنفسي للأسرة وهي تأثير القسم الذي ينتمي اليه الطالب وتأثير المؤسسة التربوية وتأثير البيداغوجيا وتأثير الاستاذ وذلك بالتحلي بعض الشيء عن التحليل الاحصائي والتدقيق في دراسة التركيبات الاسرية والدراسات الاحادية وسوابق عملية التدريس في الاسرة والمدرسة فالمناهج التطبيقية وسلسلة العمليات والتفاعلات كلها تصب في هذه التحليلات.
وهذا لا يعني ابعاد معالم الاختلافات العامة بين مجموعة من العوائل تبعا للمكانة الاجتماعية والاقتصادية حيال المدرسة وانما تركيز التحليلات السوسيولوجية في معرفة الممارسات الاسرية تجاه تعليم الابناء ودراستهم والبعد الذي تعنيه كل ممارسة مع الاهتمام بالمشاريع الاسرية والديناميات المرتبطة بتاريخ الاسرة وتؤكد العديد من الدراسات على ان اهتمام العائلة بمختلف اشكاله من متابعة الابناء واتصالهم بالمدرسة وانتمائهم للتدريس الخصوصي وغيرها من الممارسات لها التأثير الكبير في توفير فرص النجاح للطلبة الابناء.
تناول المفكرون في الكثير من كتاباتهم الامور المتعلقة بسيكولوجية الاسرة وتناولوا المشكلات الاسرية مستخدمين اساليب ومناهج البحث العلمي من تحديد مجال هذا العلم بحيث امتدت هذه المرحلة من نهاية القرن التاسع عشر حتى الان حيث ساهم علماء الاجتماع والانثروبولوجيا وعلماء النفس في زيادة الفهم للسياق النفسي والاجتماعي داخل الاسرة وكذلك تحدثوا عن الاسرة في القرن التاسع عشر بان تنتقل وظائف الاسرة الى هيئات اجتماعية مختلفة وصار لكل فرد في الاسرة وظيفة ومركز اجتماعي في حين يعد الاب في السابق هو القاضي والامر والحاكم والمدير الاقتصادي للأسرة .
يؤكد (جورج هاربرت) في بداية القرن العشرين الذي تحدث عن الاسرة في نظريته في التفاعل الرمزي من خلال الدور الذي يلعبه الاب في الاسرة عن طريق تفاعله مع الاخرين في الاسرة والعلاقات الشخصية بين الزوج والزوجة والاولاد.
ان التطور الاقتصادي والاجتماعي لعب دورا كبيرا في القضاء على التربية الاسرية حيث اصبحت وسائل الاعلام المتعددة تلعب دورا مهما في تكوين شخصية الطفل في العمل والبعد عن الاطفال وكثرة الطلاق وسيطرة المرأة على الرجل وكما ان للعولمة والغزو الفكري الغربي والابتعاد عن الدين كل ذلك له الاثر الكبير في تحديد شخصية الطفل داخل الاسرة.