أ.م شاهين سهام عبد الرزاق
لابد من القول بان الحياة وظروفها تتغير باستمرار ولا تبقى راكدة لا يمسها التجديد , وهذا التغيير الذي نتحدث عنه لا يقتصر على الانسان وحده وانما يمتد الى كل شيء حوله , فالتغيير سمة من سمات الكون كلهُ , ولا تختلف المجتمعات البشرية في طبيعتها عن ذلك , فغير موجود ذلك المجتمع الثابت الذي لا يهتم بالتغيير , فأي مجتمع يتغير في مجموعة من النواحي التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها , كما يتغير في الثقافة والعادات والتقاليد والقيم وانماط سلوك الافراد . ان التربية في اساسها مجموعة من النشاطات الانسانية الايجابية والراقية والهادفة والمتجددة والمتواصلة مع متغيرات الحياة وتطورها , فهي عملية تفاعل وتجاوب وعطاء مستمر بينها وبين الانسان ومن حوله , واذا توقفت التربية او ابتعدت عن ما يطرأ من مستجدات فأنها سوف تفقد عاملاً حيوياً من عوامل بقائها وتطورها , ونحن اليوم نعيش زمن القفزات المتتابعة والواسعة في جميع الجوانب وبمختلف الاتجاهات وفي مقدمتها الجانب التربوي التعليمي الذي تعطيه الدول المتقدمة والامم المتحضرة قدراً كبيراً من العناية والرعاية لدفع ما لا يقف عند حدً , والسبق الذي تحققه اي من هذه الدول في الجانب التربوي التعليمي ينعكس على كيانها الداخلي والخارجي نماءً وتفاعلاً وتقدماً , فالتربية والتعليم هما الصرحان الاساسيان للاستثمار الحقيقي للإنسان , وبهما تعمر الارض وترتفع وتستقيم حركتها , ومن خلالهما يضع الانسان تصوراته لمنظومته الشاملة والمتكاملة لحركة حياته المتعددة الاطراف لبناء حياته . يمثل المنهج الدراسي نظاماً فرعياً من نظام رئيس اكبر هو التربية , ومن ثم ينعكس عليه كل ما يصيب التربية من متغيرات وكل ما يمتد اليها من اثار , حيث انها تعد نظاماً فرعياً لنظام كلي اشمل هو المجتمع , والمنهج الدراسي فوق كل هذا هو المؤسسة المنوط به ترجمة الفلسفة التربوية الى اساليب تدريس واجراءات تأخذ طريقها ليس الى المدرسة فقط بل الى الصف الدراسي , ومما لا شك فيه ان كلمة المنهج يحفها الكثير من الغموض , و قلما يتفق رجال التربية على تحديد معناها , والملاحظ ان تطور مفهوم المنهج يسير جنباً الى جنب مع مفهوم التربية متأثراً ذلك بعوامل عديدة منها الفلسفة السائدة في المجتمع , والحاجات القومية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع , والتقدم العلمي و الصناعي والمفاهيم والنظريات النفسية المتعلقة بطبيعة الانسان واساليب تعليمه وتعلمه , وتلك العوامل لا تعمل منفصلاً بعضها عن بعض بل انها تتفاعل معاً تفاعلاً عضوياً مستمراً , بحيث اذا تغير احدها اثر في سائر العوامل . ان التغيير الذي يحدث في المجتمع قديم بخطوات مستمرة فيكون نحواً , وقد يكون متدرجاً فيكون تطوراً , وقد يكون قفزات كثيرة فيكون طفرة , ولا يلحق التغيير بكل عناصر المجتمع , وانما قد يكون اكبر واعمق في العناصر المادية منه في العناصر المعنوية , والفجوة الناجمة عن ذلك قد يترتب عليها ما يعرف بالتأخر الثقافي , وقد ادى تطور الاتصالات والمعلومات وعولمة الاقتصاد والسياسة التي شهدها العالم مؤخراً الى تغييرات ثقافية وقيمية واجتماعية تزداد وتيرتها وتأثيرها على كل مجتمعات العالم , وتشكل هذه احدى اهم التحولات والتغيرات التي اثرت وستؤثر في تشكيل المجتمعات في القرون اللاحقة , ومن ثم معالم وتوجيهات المؤسسات التعليمية والعلمية والثقافية فيها . لقد فطن المسؤولون عن الانظمة التربوية والتعليمية العربية الى هذه التطورات والتغييرات فقاموا بطرحها للمناقشة من خلال المؤتمر الثاني لوزراء التربية والتعليم والمعارف في الوطن العربي والمنعقد في دمشق في ( يوليو /2000م ) وذلك بمناقشة التحولات والتغييرات المؤثرة في تشكيل المستقبل التعليمي العربي, والمتمثلة في التطورات العلمية والتكنولوجية , والتغييرات في النمو والحركة السكانية , والتغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والقيمية . ان التعامل مع الاحداث القريبة والبعيدة لا بد من ان تعتمد على القوة والغنى والتقدم , والذي يقاس بمقياس واحد هو الاندماج في الحضارة العلمية والاخذ بمعطيات التطور المعلوماتي , وابرز جوانب هذا التطور هو الجانب الخاص بالتطورات المدهشة في عالم الحاسوب , فهو لا يزداد سرعة وكفاءة فحسب , بل يزداد تخصصاً ورخصاً وصغراً وانتشاراً واستخداماً , ويتحرك من المغناطيسي الى الضوئي الى الرقمي , ومن الثابت الى المتحرك , ومن الجامد الى الناعم , ومن المادة الى الخلية العضوية . يؤثر التطور المعلوماتي بشكل مباشر على التربية والتعليم , فالتطور المعرفي المتمثل في الزيادة الكمية والنوعية في المعرفة وفروعها يحتم على المؤسسات التعليمية ان تعيد النظر في اسس اختيار وتخطيط العملية التعليمية في بناء مناهجها ومحتوياتها الدراسية , واساليب التعامل مع المعرفة , كما ان الوسائل التكنلوجية المتعددة ستمكن من انتاج المنهاج الدراسي الجماعي , لهذا كان لزاماً على كل مجتمع يريد اللحاق بالعصر المعلوماتي ان ينشيء الاجيال على تعلم الحاسوب والتعامل مع تقنياته , ويؤهلهم لمواجهة المتغيرات السريعة في العصر الحديث , وقد قامت بعض الدول بوضع خطط استراتيجية تعمل على جعل الحاسوب وشبكة الانترنت عنصران اساسيان في المنهج التعليمي في العملية التعليمية , شهدت دول العالم التغييرات في العلاقات والقيم الاجتماعية المتمثلة ببداية جدية لإعادة هيكلة للبناء و الانساق الاجتماعية في كل دول العالم بتأثير في الاعلام العالمي , ونمو وظهور المجتمعات متعددة الثقافات ( نتيجة لحركة النزوح والهجرات السكانية داخل وبين الدول ) , وتغير في المفاهيم المتصلة بالأسرة والمنزل , ودور الشباب , ودور الكبار , ودور المرأة , والعلاقات ا