يمكن التطرق والتنويه الى منزلة الغزالي العلمية والفلسفية ,فللغزالي منزلة بارزة بين العلماء سواء في عصره الذي عاش فيه او العصور التي تلته, وقد لازمته هذه الشهرة حتى وقتنا الحاضر. فقد خاض في فنونه من العلوم والمعارف المختلفة والفلسفة بأنواعها وقد كانت له موهبة فائقة من سعة الافق, وقوة البيان, والتعمق في الاستنتاج كما ألف كثيرا من الكتب والرسائل في علوم مختلفة كالفلسفة وعلم الكلام والمنطق والفقه والتصوف والاخلاق….الخ الا في الحديث والنحو. ومن اهم رسائله وكتبه المتداولة هي احياء علوم الدين- تهافت الفلاسفة – مقاصد الفلاسفة – معيار القسطاس المستقيم- الاربعين في اصول الدين-قواعد العقائد في التوحيد) وغيرها الكثير.. وقد تسابق اشهر العلماء وكذلك الطلبة في انشائها واستنساخها ودراستها وشرحها والتعليقات عليها من جيل الى اخر, وكانت كلما تبدا حركة ما في الترجمة في اي بلد من البلدان الا كانت كتب الغزالي مترجمة الى لغات اخرى, ولا زالت تستقطب انظار رجال الفكر والعلم والمعرفة تأليفا وترجمة ودراسة. ان الصراع الذي اثاره الغزالي وحمل لواءه ضد الفلسفة والفلاسفة ليحتل من الثقافة الاسلامية وتاريخ الفكر العام جانبا خطيرا, فقد انتظم في الاهتمام به رجال الفكر في مختلف العصور والازمان على اختلاف الوانهم ومذاهبهم. فقد كان للفلسفة في الشرق سيادة وجلال, بل لقد كادت الفلسفة ان تحل مكان الدين, فاستحوذت على الذهن والتفكير واتسعت التصورات وانتشرت التأملات الفلسفية وجرى الناس وراء النظريات والجدل جريا اتعبهم واتعب معتقداتهم واتعب الحياة معهم. وجاء الغزالي وطبول الحرب تدوي باسم الدين وحماية الجماهير من لون الوثنية والتضليل والتشكيك العقلي وحصل نزاع بين الفلسفة والدين هو موضوع الساعة وكان لابد للغزالي ان يخوض هذه المعركة فقد اجتمعت بيده اسلحة لم تجتمع لغيره ,ارسل الغزالي صيحة لا تعرف المجاملة ولا اللين, ففض في صراحة وعنف النزاع بين(العقل والعاطفة) و (الوحي والفلسفة) واحدثت تلك الصيحة دويا فقد كان الغزالي هو المفكر الاول والوحيد الذي لم يكتف مثل علماء الكلام باقتباس عدة مباحث متفرقة للفلاسفة ثم نقضها بل قام لهدم البناء كله ذلك البناء الذي انشأه الاغريق وهذبه الفلاسفة المسلمون. فقد جاء الغزالي بتمزيق الحجب واطلق النور في الظلمات فان كتابه (تهافت الفلاسفة) لم يكتب لطلاب الفلاسفة وانما كتب للجماهير كافة وقربت مناهله وموارده لسائر الواردين والقاصدين وهذا ما اغضب (ابن رشد) فاتهم الغزالي بانه اباح العلم للعامة وافقده ارستقراطيته. يقول الغزالي في مقدمة كتابه(تهافت الفلاسفة) اما خلاصته ((ان الفلاسفة في عهد ارسطو الى عهدنا هذا قد بنوا مذاهبهم في الالهيات عن ظن وتخمين من غير تحقيق ويقين , ويستدلون على صدق علومهم الالهية بظهور العلوم الحسابية والمنطقية ويستدرجون بها ضعفاء العقول ولو كانت علومهم الالهية متقنة البراهين نقية من التخمين كعلومهم الحسابية لما اختلفوا فيها ,كما لم يختلفوا في الحسابية والمنطقية. وان الغزالي قد اوضح لنا معالم ومقاصد الفلاسفة وتوضيح اسرارها لكل قارئ وتلك القوة لم تعرف في عالم الفكر الا الغزالي وبهذا الف كتاب (مقاصد الفلاسفة) , واوضح غايته في مقدمته: اما بعد فاني التمست كلاما شافيا في الكشف عن تهافت الفلاسفة – وتناقض آرائهم ومكان تلبيسهم واغوائهم ولا مطمع في اسعافك الا بعد تعريفك واعلامك معتقدهم فان الوقوف على فساد المذاهب قبل الاحباط بمداركها محال بل رمي في العمالة والاحتلال فرأيت ان اقدم على بيان تهافتهم كلا وجيزا مشتملا على حكاية مقاصدهم في علومهم المنطقية والالهية من غير تميز بين الحق والباطل بل لأفسر الا تفهم غاية كلامهم منى غير تطويل….)) وهيمن الغزالي هيمنة تامة على مقومات الحياة في المجتمع الجديد فمن هذا العالم كان التفكير وقد كانت طرائق البحث والجدل , واندفع الشعاع الالهي الذي يقيم حضارة روحية معطرة القلب والفكر والعمل بعطر ديني خالص غالب على سواه من انفاس الحياة وبواعثها هذا هو الدين الاسلامي فهو راية بيضاء لا يحملها الا قوادها ,وحمل راية العلم والسلام راية الشمس المشرقة في مشارق الارض ومغاربها ومنهم حجة الاسلام الامام الاعظم (الغزالي ابو حامد محمد بن محمد)فهو من احسن الرجال الذين اشعلوا اصابعهم نارا واطلقوا اقلامهم بروقا. كانت قوة الغزالي التي خلدته كحجة للإسلام انه استطاع ان يوقف تلك التيارات المتدفقة من المحاورات الفلسفية والمناظرات الجدلية والمنازعات الفقهية وان يجعل القوة الاسلامية المناهضة لتلك الزوبعة تتركز فيه وتتمثل في تعاليمه المستمدة من الكتاب العظيم (القران الكريم) والسنة النبوية الشريفة المطهرة.