تدريسي من كلية التربية المقداد ينشر مقالا علميا بعنوان(طرائق التدريس بين التقليد والمعاصرة(الحداثة))للاستاذ الدكتور رياض حسين علي
- Categories أخبار - 2021
- Date نوفمبر 6, 2021
يقسم الحديث عن الطرائق التدريسية الى طرائق تقليدية و اخرى عصرية حديثة ، و كأن هناك تناقضاً و اختلافاً بين الاثنين ، حيث تحمل الاولى ( الطرائق التقليدية ) المساوئ في مقابل الطرائق العصرية ( الحديثة ) و التي تحمل المحاسن .
و اذا كان هذا مألوفاً في عرض الطرائق التدريسية و ابراز خصائص كل منها ، فأن نظرة متأنية و دقيقة لا تنسخ لنا بهذا الحكم ، بل يمكن القول ان الطرائق التقليدية تعتمد في نقل المعرفة على الدرس الذي يلقنه المدرس على وفق معلومات الكتاب المدرسي ، لكنها لا تتعامل مع الطالب بالجانب السلمي كما يتصور ذلك انصار الطرائق العصرية الحديثة ، أما هذه الاخيرة ( الطرائق العصرية الحديثة ) و التي يطلق عليها احياناً ( الطرائق التنشيطية ) فتركز بشكل كبير على انشطة البحث و الابتكارات الشخصية ، كما تقلل من اهمية الحفظ ، لكنها تقوم الى جانب ذلك بالتلقين ، و ذلك باعتبار ان الطالب يحتاج الى قدر مهم من المعارف التي يستخدمها كوسائل في عملية البحث ، اضافة الى ان الوقت المناسب للتعليم لا يكفي لكي يحصل الطالب على كل المعارف الضرورية بجده الشخصي ،
فلا مناص من تلقينه جانباً من المعلومات الجاهزة ، فأن الاختلاف بين الطرائق التقليدية و الطرائق العصرية الحديثة يكمن في الاهمية النسبية التي توليها كل منها للتلقين و النشاط الشخصي على التوالي ،
لذا نستطيع القول ان هناك اختلافاً اكثر اهمية مما سبق بين الطريقتين و يتجلى في الخلفيات النظرية التي تقوم عليها كل طريقة .
و في هذا الصدد يمكن ان نشير الى اهم المبادئ التي تقوم عليها الطرائق التقليدية الى الاتي :-
1)البساطة و التحليل و التدرج :
و تشير الى ضرورة تحليل المادة الى عناصرها البسيطة التي يسهل استيعابها متفرقة ، ثم ينتقل الطالب من العناصر البسيطة الى العناصر الاكثر تعقيداً .
2)الحفظ (التلقين) :-
ان تبسيط المواد هدفه تسهيل الحفظ و مراقبة قدرة الطالب على اكتساب المعلومات التي نقلها بواسطة التلقين .
3)الحدس (الظن) :-
و يؤكد انصار الطرائق التقليدية على ضرورة استخدام الاشياء المخصصة للتوضيح و الشرح ، لأن المعطيات الحسية تترك انطباعات راسخة في الذهن .
4)المنافسة بين الطلبة :-
و ذلك لتشجيع الاذكياء و التنويه بهم ، و الاخذ بأيدي المتأخرين دراسياً .
و أذا كان من الصعب ارجاع هذه المبادئ الى نظريات تقنية واضحة ، فأنه رغم ذلك لا يخفى علينا أثر المدرسة التراكمية حول التفكير و محتويات العقل ، و الاعتماد على علم نفس الملكات و المدرسة الحسية التجريبية التي يعود الفضل الى بعض العلماء و منهم (دافيد هيوم و جون لوك ) ، غير ان تجاوز هذه النظريات من طرف علم النفس الحديث و تجاوز الطرائق التربوية المبنية عليها و التي كانت حتى العقود الاولى من القرن العشرين تسمى تقدمية و علمية بنفس الدرجة التي توصف بها الطرائق العصرية الحديثة في عصرنا الحاضر ، و أصدق مثال على ذلك التعليم المبرمج ( سكنر ) والتي تعد من الطرائق العصرية و هي حديثة العهد ، و التي ترتكز ايضا على نفس المبادئ السابقة ، فالمعلومات التي تقدم من خلال جهاز ( سكنر – بريسي ) او غيرها تقوم على تحليل المادة الى عناصرها البسيطة و تقديمها بصورة منطقية متدرجة و بصيغة يسهل حفظ كل عنصر منها على حدة ، و تراقب عملية اكتساب المعلومات عن طريق الاجوبة التي يقدمها الطالب و التي تحدد مسار التعليم حسب نوع الاجابة ، و هذا يعني انه ليست هناك قطيعة تامة بين هذين النوعين من الطريقتين ، بل هناك نوع من الاستمرارية الذي يبدو واضحا من حين لاخر .
اما الطرائق العصرية ( الحديثة ) فتقوم بدورها على مجموعة من المبادئ التي اشتقت من النظريات التعليمية و البحوث النفسية الحديثة ، و تشترك في مجموعة من الصفات لخصها ( جوي بالمد ) في الاتي :
1 ) تكييف المدرسة لتوافق الطالب ، فالطريقة التدريسية و المدرس و البرنامج الدراسي كلها وجدت من اجل خدمة الطالب .
2 ) تكييف الممارسة التربوية و العلمية طبقاً للفروق الفردية بين الطلبة .
3 ) عدم فرض التربية على الطالب بالقهر و العنف ، و الاهتمام في تربية الطالب من دوافعه الطبيعية ومن نشاطه العفوي و اهتماماته ، و بالمقابل فأن الاحتراس من المبالغة في اطلاق الحرية للطالب مطلوب ايضاً حتى لا يؤدي هذا التوجه الى الفوضى .
4 ) اتاحة الفرصة للطالب لممارسة نشاطه الشخصي في الملاحظة و التفكير و التجريب في الموضوعات التي يدرسها .
و يميز علماء النفس التربوي لدى تطبيق هذه المبادئ بين طريقتين مختلفين هما : الطريقة غير الموجهة و الطريقة الموجهة .
و تستند الطريقة غير الموجهة الى اعمال ( روجر و ديوي ) بشكل خاص ، و تقوم على ترك المبادرة للطالب في العملية التعليمية التربوية ، فالطلبة داخل قاعات الدرس يختارون من تلقاء انفسهم الانشطة التي يمارسونها حسب ميولهم و اتجاهاتهم الفكرية و الوجدانية ، نظراً للاختلافات الكبيرة بين رغباتهم و حاجاتهم بتدخل المدرس للتنسيق و البحث عن روابط بينها لتجنب الفوضى .
لذا يبدأ الطلبة في العمل فأن وجود مدرس بينهم يكون فقط لمساعدتهم من الناحية النفسية اذا احتاج احدهم الى ذلك ، ففي هذه الحالة ليس الطالب هو الذي يتابع المدرس بل يصبح هذا الاخير تابعاً أي ( المدرس ) ان صح التعبير ، فيكثف حاجاته تبعاً لحاجات الطالب و لا يفرض عليهم نظاماً جاهزاً ، و لا يخفى ان مفهوم التربية هنا يتخذ معنى جديداً ، فالمربي ( المدرس ) يضع خبرته رهن اشارة الطالب فينتقل به تدريجياً و حسب طموحاته الى مستوى معارف الراشد و تفكيره ، كما ان البرنامج الدراسي لا يحدد بشكل مسبق بل يصبح عبارة عن مجموعة من المعارف التي يجب ان يتعرف عليها الطالب في مرحلة معينة و تترك له حرية اختيار البرنامج الزمني لدراستها ،و تلعب الرغبة في الانتاج و الابتكار و اثبات الذات دوراً مهماً في خلق جو من النظام ، و المسؤولية داخل جماعة الصف و هو شرط لا غنى عنه للنجاح في تحقيق تلك الرغبة ،في الصفوف الدراسية الناجحة لا يظهر اثر الفوضى لأن كل طالب يعرف كيف يؤدي دوره بشكل طبيعي و لمصلحة جميع الطلبة ، لذا لا وجود للفوضى لان كل طالب تقع عليه مهمات يجب ان يؤديها على افضل وجه .
اما الطريقة الموجهة و التي تسمى ( التنشيطية ) فتقسم الى قسميين :-
1 ) الطريقة الاستنباطية : في هذه الطريقة يهيئ المدرس الدرس و يخبر الطلبة في بداية الحصة الدراسية بموضوع الدرس ، ثم يكلفهم باستخراج العناوين المناسبة لكل فقرة من فقرات الدرس .
2 ) الطريقة الاستقرائية : و يقوم المدرس بأخبار الطلبة بموضوع الدرس و خطوطه العامة خلال اسبوع أو اكثر ، و تترك لهم بعد ذلك فرصة البحث عن الاشياء و المادة و المعلومات .
يوجه المدرس الطلبة اثناء الحصة الدراسية الى تحليل وثائق التي حصلوا عليها تبعاً لكل وقت من اوقات الدرس ، و يكون ذلك بالتدريج بالاعتماد على نص الدرس الذي يحتفظون به ، و الذي يبدأ بالمبادرة هو المدرس لكي يجعل الطلبة اكثر استعداداً و تفاعلاً ، لذا تقتضي الطرائق التنشيطية مشاركة الطلبة في عملية التعلم باكتشاف المعارف و المعلومات التي يتعلمونها و مساهمتهم الفعالة و الايجابية في صياغة المعارف و المعلومات و توظيف كل طاقاتهم الابداعية .
و يمكن القول ان الطرائق العصرية ( الحديثة ) جعلت العملية التعليمية التربوية تتمركز حول الطالب بالدرجة الاولى على العكس ما كانت عليه العلاقة سابقاً و التي تقوم على سلطة المدرس المطلقة داخل القاعة الدراسية مقابل الخضوع التام للطلبة في عملية التعلم .
ان الاساس النفسي الذي تقوم عليه الطرائق العصرية ( الحديثة ) هي مراعاة اهتمامات و ميول الطلبة ، و لكي تتأسس العلاقة الفاعلة بين المدرس و طلبته يجب ان نحترم حاجات و ميول و اتجاهات الطلبة ، لكي تكون العملية التعليمية و التربوية قادرة على اشباعها و الاستجابة لها لنجاح العملية التدريسية و يمكن القول ان الطرائق العصرية الجديدة و الطرائق التقليدية على السواء لها قيمة في ذاتها من الناحية العلمية ، و تستمد قيمتها من مهارة و مرونة الشخص الذي يطبقها .
فضلا عن ذلك ان الطرائق العصرية الحديثة بالرغم من مزاياها و محاسنها مقارنة بالطرائق التقليدية تبقى نسبية و مشروطة بالمستوى المعرفي الذي نشأت فيه ، و خاصة ما يتعلق بعلم النفس و الاجتماع و علم وظائف الاحياء و غيرها من العلوم التي تؤثر على تطور النظريات التربوية .
ان اغلب الطرائق العصرية ( الحديثة ) اكثر ملائمة لتعليم الاطفال في المرحلتين ( الابتدائية و المتوسطة ) ، و ايضا في مرحلة ما قبل المدرسة ، و لا تصلح مع البالغين نظراً لتغير البنية النفسية للمراهق ، فإذا كان بذل الجهد رهيناً و مشروطاً و مستوجباً بوجود الاهتمام لدى الطفل فأن هذا الارتباط يختفي لدى المراهق بحيث يمكنه بذل الجهد بشكل ارادي في مهمة صعبة قد لا تكون محط اهتمام اذا طلب ذلك ، لأن بذل الجهد في سن المراهقة يصبح وسيلة لأثبات الذات ، و لأن الارادة الشخصية يصبح لها الدور الكبير في السلوك .
و أخيراً يمكن القول :- ان الطرائق التدريسية التربوية هي نتاج ثقافة مجتمع و حضارته و التي تعطي ثمارها فيه و الذي نشأت فيه اصلا .
لذا ان كل مجتمع ينسجم سياقه الاجتماعي و السياسي و المذهبي مع المبادئ التي تقوم عليها هذه الطرائق ، و لكن اذا نقلت الى سياق اجتماعي و سياسي مختلف ، فمن المحتمل آنذاك ان تثير المشاكل اكثر مما تحلها.
Next post