شهد الربع الاخير من القرن العشرين اعظم تغيير في حياة البشرية, هو التحويل الثالث بعد ظهور الزراعة والصناعة, وتمثل هذا بتقدم العلوم والتكنلوجيا وتطورها السريع في العديد من المجالات الالكترونية والنووية والفيزيائية والبيولوجية والفضائية. وكان للتقدم الهائل في المعلومات والاتصالات الدور الرئيسي في هذا التحول, فمن خلالها تمكن الانسان من فرض سيطرته على الطبيعة الى حد اصبح عامل التطور المعرفي اكثر تأثيرا في الحياة من بين العوامل الاخرى المادية والطبيعية. وقد احدثت هذه المعلومات والاتصالات جملة من التحولات التي طالت مختلف جوانب الحياة في المجتمع, سواء بنيته الاقتصادية او علاقات العمل وكذلك في العلاقات الانسانية والاجتماعية…. الخ فالمجتمع وكذلك الانسان الذي لا يسعى الى مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي سيجد نفسه بعيدا عن المجتمعات الجديدة والمساهمة في التطور, والدولة التي لا تدرك ان المعرفة هي اليوم العامل الاكثر اهمية للانتقال من التأخر المعرفي الى التطور في العلوم والتكنلوجيا ستكون حتما على هامش مسيرة هذا التقدم. لقد شكلت التحديات التكنلوجية والمعلوماتية بأبعادها المختلفة الى الدعوات العديدة بضرورة اصلاح النظام التعليمي بشكل عام والتعليم الجامعي بشكل خاص, بجميع المدخلات والمخرجات خصوصا في ضوء عجز النظام التعليمي الجامعي في مواجهة التحديات التي افرزتها تكنلوجيا المعلومات والاتصالات, وان شبكات التواصل والاتصالات احدثت تطورات في وظيفة الجامعة ودورها وحتى مفهومها, وظهرت مفاهيم جديدة كالتعليم العالي بالمراسلة, والتعليم المستمر, والتعليم الذاتي, والتعليم عن بعد كل ذلك للحاجة المتزايدة على التعليم في مختلف المراحل التعليمية والحاجة الى مواكبة التطورات السريعة في العلوم والتكنلوجيا, وهذا ما جعل المجتمعات المعاصرة تبحث عن انظمة رديفة او مساعدة للأنظمة التقليدية, فبرزت العديد من المؤسسات التي تصمم البرامج التعليمية التي تعتمد على تكنلوجيا المعلومات الحديثة, وبذلك اسهمت الوسائل السمعية البصرية والحواسيب وشبكات المعلومات والاقمار الصناعية في تعليم الطلبة وهم بعيدون عن كلياتهم وجامعاتهم. من الامور المهمة هو تزويد المؤسسات الجامعية بالوسائل التكنلوجية الحديثة لتطوير المناهج الدراسية في مفرداتها وسياقها, وذلك لكي تساير المفاهيم الجديدة لعصر المعلومات وادراك المتغيرات العالمية لتلبية الحاجات التنموية والاهتمام بالطلبة والذين هم في مقدمة عناصر العملية التعليمية وتحفيزهم الى الابتكار العلمي والتواصل مع بعضهم ومع اساتذتهم ومواكبة التطورات والمستجدات العلمية, وان التعليم لا يرتكز على منهج ثابت على الدوام لأن ذلك يخالف ما تقتضيه عوامل التغيير والتطوير, كما ان عملية تطوير المناهج ليست عفوية ولا فردية, ولكنها عملية لها اصولها ومصادرها التي تستقي البيانات والأدلة منها, فمن الطبيعي ان يطرأ تغيير على المناهج دون استثناء مع وجود تكنلوجيا المعلومات, ومن الضروري تغيير اسلوب تصميم المناهج التعليمية وفي تقليل عدد المواد الدراسية, وسوف يتطلب ذلك دمج بعض المواد الدراسية او اضافة موضوعات جديدة ولكنها ترتبط بتكنلوجيا المعلومات الجديدة. يجب ان تكون تكنلوجيا المعلومات وتوظيفها بشكل سليم في تطوير التعليم الجامعي والانتقال من التعليم التقليدي الى التعليم الفعال, ولكن لازالت المحاضرة هي الوسيلة الاولى في التعليم الجامعي, وان جامعتنا تعتمد على نشاط واحد هو (الاستاذ), اذا لابد من الاستفادة من كل ما قد تضيفه تكنلوجيا المعلومات الى العملية التعليمية لضمان اكبر قدر من التعليم الفعال, خاصة وان اسلوب التلقين والحفظ يتناقض كثيرا مع ظاهرة التقدم العلمي والتكنلوجي وتضخم المادة التعليمية, ولم تعد مهمة التعليم في تحصيل الطلبية بل تنمية المهارات المعرفية وتوظيفها لتوليد المعارف الجديدة. من هنا بدأت السياسة التعليمية تتطلع الى التغيير والتطوير بهدف حل مشكلات العملية التعليمية, لذا بدأت الجهود تتضافر لإيجاد الحلول المناسبة والتي كانت من بينها ادخال تكنلوجيا المعلومات الحديثة في التعليم الجامعي. والتي لابد ان تؤثر بشكل جذري على الأنظمة والأساليب التدريسية, بحيث ان بعض الجامعات تعيد النظر في نظامها التعليمي وطرائق التدريس ومناهجها والتقنيات المستخدمة في قاعاتها ومختبراتها الدراسية وفقا لما تراه بأن لا بديل امامها سوى الدخول الى هذا العالم الرقمي الجديد لتخريج طلبة مؤهلين للتعامل مع تكنلوجيا المعلومات المتجددة والمتسارعة.