اللغة و التفكير و التعبير
ان اللغة في الاصل هي معظم العلوم الانسانية وعنصر اساسي في ميدان البحث ، او اداة يتحتم استعمالها في التعبير عن معطيات هذا العلم او ذاك ، فقد تداخلت مفاهيم علم اللغة ، و نشأ عن التأثير المتبادل بينها تيارات فكرية و علمية حديثة ، كعلم الاجتماع اللغوي او علم اللغة الاجتماعي النفسي (socilinguistcs)
وعلم النفس اللغوي اوعلم اللغة النفسي(psycholinguistcs) و نشأ ايضا عن هذا التداخل تعدد الاسس التي تقوم عليها الوظيفة الرئيسية للغة ، وهي التعبير عن الافكار و المشاعر ،و قد راعت هذه الاسس طبيعة المادة اللغوية ، و طبيعة الطالب المراهق في المرحلة الاعدادية ، و قد يكون في تفهم المدرس لهذه الاسس و الايمان بجدواها النجاح في درس التعبير .
و ان حسن التعبير عما في النفس شرط اساسي لقوة الشخصية و تأكيد قابلية الانسان العقلية و قدرات ذكائه و توافقه الاجتماعي ، فضلا عن قوة تفكيره .
ان الوظيفة الاساسية للغة هي التعبير عن الافكار و العواطف و التبليغ من المتكلم الى المخاطب ، فاللغة بهذا الوصف وسيلة التفاهم بين البشر بالتعبير ، و اداة لا غنى عنها للتعامل بها في حياتهم ، و هذا المعنى يتحاشى مع المفهوم الجديد في تدريس التعبير الذي يقوم على النظرية الوظيفية في التربية ، و الذي يعد اسمى الغايات اللغوية التي يجب على الانسان ان يحرص عليها ليتمكن منها ، لأنه الثمرة و المحصلة النهائية لتعليم اللغات ، و اما باقي الفروع فهي روافد له و سواقي ترفده ، و تقيُم اركانه ، و تدعم ابنائه ، فالقراءة تعد مادة التعبير و افكاره و النحو ضابطه ،و الادب هو المصدر يثريه ، و الاملاء يحصنه من اخطاء الرسم و الكتابة ، اما الخط فهو جمال الرسم و رونقه .
و لما كان التعبير هو السياق الحقيقي للغة ، لذلك يجب تعليمه باستعمال معرفة الطالب و خبرته من خلال الانشطة القرائية و الكتابية ، مما يستطيع التحكم بنحو جيد في آليات اللغة من خلال قراءة النصوص و كتابتها المرتبطة بالحقيقة و الواقع .
ان علاقة اللغة بالتفكير شغلت بال الباحثين في كثير من المجالات و في الازمنة المختلفة و لا سيما علماء النفس ، المهتمون بدراسة اللغة و أثيرت حول هذه العلاقة العديد من الاسئلة مثل : هل تستطيع الكلام من دون تفكير ؟ و هل هناك تفكير من دون كلام ؟ ايكون الفكر و اللغة شيئأ واحدا ام كيانات منفصلة و أيهما اسبق ، و ايهما يعتمد على الاخر .
و لا يوجد بيان شامل للعلاقة بين اللغة و الفكر ، و هناك خلاف حولهما بين الباحثين ، ألا انهم متفقون على ان هناك ارتباطا بينهما ، و لكن تعددت الاجابات عن التأثير بينهما ، فأيهما اكثر تأثيراً في الاخر الفكر او اللغة ؟ و اذ تجلت في اربعة مواقفَ هي :
*الاول : موقف يرى اصحابه أن اللغة كيان مستقل عن الفكر و تعمل بمعزل عنه ، و هي اكثر تأثيرا فيه ، و لا سيما فكر الجماعات ، اذ يرى اصحاب هذا الموقف ان اللغة هي التي تجعل مجتمعا ما يتصرف و يفكر بالطريقة التي يتصرف بها ، و ان ذلك المجتمع لا يرى الا من طريق لغته ، فاللغة تسهل الفكر و تساعد على نموه و تقود الفرد الى التعبير في النطق او الكتابة .
*الثاني : يؤكد ان العلاقة بين اللغة و التفكير قوية لكن عملية التفكير تسبق عملية اللغة و التفكير له صلة بالجانب البيولوجي و الاجتماعي و ان اللغة جزء لا يتجزأ من عملية التفكير ، و انها مرتبطة بهذه العلمية التي تعد بمنزلة الادوات التي تصل الفرد بالعالم الخارجي ، فهي تعبر عن وجهة نظره في قضية معينة او موقف معين .
*الثالث : يذهب اصحاب هذا الموقف الى عدم الفصل بين الفكر و اللغة وتأكيد الصلة بينهما فالتفكير و اللغة مرتبطان مع بعضهما لا يمكن فصل اي منهما عن الاخر ، و لا سيما في عملية الاستيعاب والفهم و الافهام ، و قد انتهى اصحاب هذا الموقف الى ان التفكير هو اساس اللغة ، ممثلا ذلك في تخزين المفردات و الجمل و استدعاء المناسب منها لمقتضى الحال ، و لفظها بنحو صحيح و مقبول .
*الرابع : يرى اصحاب هذا الموقف ان العلاقة بين اللغة و الفكر علاقة تبادلية من حيث التأثير ، فكل منهما يؤثر في الاخر و يتأثر به ، فلا يمكن ان تتكلم بما لا نقدر ان تفكر به ، و لا نستطيع ان نفكر بعيدا عن قدراتنا اللغوية ، و هذا الموقف هو الاكثر شيوعا و قبولا عند المعاصرين ، لانه لا يكتفي بذكر العلاقة بين الفكر و اللغة و لا يغلب تأثير احد الجانبين في الاخر ، انما يرى ان العلاقة بينهما متبادل و ان التفاعل بينهما امر واقع.
ان الوظيفة الاساسية للغة تتجاوز البحث العلمي المتواصل في رسم صورتها من تحقيق الاتصال و تيسير عملية التفكير و التعبير عما يجول في النفس ، و حفظ حضارة الانسان و تطويرها و تشكيلها بأشكال مختلفة ، لكي يكون التواصل بين بني البشر لرفاهيتهم و تنمية قدراتهم الابداعية و الوظيفية ، و ان اغراض التعبير بنوعية التحريري و الشفوي يمكن ان تدور بموضوعات بعضها
يتصل بالخبرات ، و بعضها يتصل بالقيم ، او بالأسئلة التي تتطلب اجوبة مباشرة و جميعها يتطلب الاستعمالات الصحية للغة و ضبط التعبير التحريري و ألباسه المظهر اللغوي اللائق ، يعد التعبير من الجوانب المهمة في تعليم اللغة ، فهو ليس نشاطا مستقلا عن بقية فروع اللغة العربية ، بل هو متداخل في مهاراته ووظائفه بنحو كبير مع الفنون اللغوية جميعا ,
فالتعبير هو الافصاح عما في النفس من افكار و مشاعر و احاسيس بالحديث و الكتابة ، و منه يكمن الكشف عن شخصية المتحدث او الكاتب عن مواهبه و قدراته و ميوله ، ومن هنا يتحدد الهدف من التعبير بنوعه التحريري و الشفوي . لذا فان التعبير هو الافصاح عما يدور و يجول في ذهن الفرد من خواطر و افكار يستخدمها في الحياة ، و انه عمل لغوي دقيق نطقا و كتابةً .