الاستاذ الدكتور
اياد هاشم محمد
لقد مر الاشراف التربوي بالعديد من مراحل التغيير والتطور قبل ان يصل الى الصورة التي نجدها عليه في الوقت الحاضر، اذ اتصف بالمفهوم الجديد الذي يختلف كثيرا عن تلك المفاهيم التي سادت فيما قبل وان المهتمين بالإشراف التربوي يجدون ان فكرة الاشراف التربوي نشأت من بداية الامر من خلال الحاجة الى زيادة المؤسسات التعليمية (المدارس) وللتعرف على المدرسين وطرائق تدريسهم والاساليب التي يمارسونها في الصفوف الدراسية وقاد ذلك الى ظهور التفتيش وهو اقدم انواع الاشراف التربوي والذي نشأ مع تطور وظيفة مدراء المدارس والادارات التعليمية. وتكليفهم بمسؤوليات تفتيشية تهتم بالنشاطات التعليمية ونتائج التعليم. ولما تطورت التربية وادواتها والمعارف والمعلومات العلمية وادواتها اصبح التفتيش غير مقبولا وخاصة عندما ظهرت القيادة التربوية التي تهتم بالنمو الشامل للطلبة والمشاركة والحرية التي نتجت عن تطور العلوم السلوكية وتقدم البحوث السيكولوجية والتربوية والتي ادت الى تطور العادات والقيم الاجتماعية وانتشار افكار الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية كل ذلك ساعد على التصدي لقيم التفتيش واساليبه ومبادئه المتبعة التي لا تهتم بكثير من الامور التي تحتاجها العملية التعليمية ولابد من التخلي عنها.
ومن ثم حدث تطور في فلسفة الاشراف التربوي واصبح يركز على الاهتمام بالعلاقات الإنسانية الحسنه بين المشرف التربوي والمدرسين من اجل اثارة دافعيتهم نحو العمل واصبح الاشراف التربوي ينظر الى المدرسين حسب حاجاتهم وقدراتهم ويهدف الى تحسين الاساليب التعليمية التي يؤدونها مع طلبتهم ومساعدتهم في تنمية قدراتهم وايجاد الحلول للمشكلات التي تواجههم والتأكيد على التعاون بين المشرف التربوي والمدرسين في اطار الاحترام المتبادل والعلاقات الإنسانية السليمة.
وكان هذا الاتجاه بداية للإشراف الديمقراطي الحديث الذي يقوم على التعاون بين المشرف التربوي والمدرسين في العديد من الجوانب وعلى راسها الجوانب الإنسانية والعلمية لأنهم قادرين على الابتكار والابداع والبحث والتجريب والاستقصاء وتحمل المسؤولية في توجيه التعليم وتحديد سياسته وحل مشكلاته.
وهناك شيئان اساسيان قد اثرا في النمو السريع للإشراف التربوي فالأول يمثل حصيلة عوامل اجتماعية وثقافية مثل النمو السكاني وتغيير المجتمع المحيط بالمدرسة والاهتمام بجودة التعليم والشيء الثاني ظهور العديد من النظريات والبحوث العلمية في مجال الاشراف التربوي، اذ ان النظريات المطروحة والدراسات الميدانية في العلوم السلوكية فتحت افاقا جديده في التفكير بطبيعة اهداف الاشراف التربوي وممارسته ودور المشرف التربوي ومركزه وسلطته وغيرذلك.
لذا مر الاشراف التربوي في ثلاث مراحل حسب تطور النظام التربوي واول هذه المراحل هو مرحله التفتيش والتي بدأت في القرن الثامن حتى اوائل الثلاثينيات من القرن العشرين وهي العملية التي يقوم بها المفتش بزياراته للمدرسين للاطلاع على جوانب القصور ونقاط الضعف لديهم ومن ثم تقويمها ومحاسبتهم على الاخطاء والهفوات التي يحددها خلال هذه الزيارات فالمهمة التي يقوم بها المفتش هي الكشف عن نقاط الضعف لدى المدرسين وتصيد الاخطاء من خلال الزيارات الخاطفة لفترات زمنية قصيرة تكون عادة مرة واحدة او مرتين خلال العام الدراسي وبعدها يعد التقارير التقويمية للمدرسين ويعطيهم التقديرات بناء على رغبته دون الاعتماد على الاسس الموضوعية في التقييم وهناك بعض الاجراءات التعسفية لمن كانت تقاريرهم سيئة ينقلون الى مدارس بعيدة ونائية مما تولد لدى المدرسين النظرة السلبية تجاه المفتشين والتي تمثلت بالرفض والخوف وعدم الثقة باعتبارهم يقومون بالعقاب وفق اهوائهم ومزاجهم ورغباتهم الشخصية.
وان المرحلة الثانية للإشراف التربوي هي مرحلة التوجيه التربوي والتي ظهرت من خلال التقدم في علم التربية والعلوم النفسية والاجتماعية وخاصة ما يتعلق بفلسفة التربية واهدافها ونظريات النمو والتعلم ومبادئها واسس العلاقات الإنسانية واساليب الاتصال مما دعا الى تطوير مفهوم التفتيش الى التوجيه التربوي لكونه عملية انسانية اجتماعية وهي مرحلة متطورة من التفتيش يهتم بتوجيه التعليم بصورة مباشرة دون بحث او تقصي وله الدور الكبير في الاصلاح والتوجيه وتقديم المساعدة للمدرسين والتعامل معهم معاملة قائمة على الاحترام المتبادل مما قد يساعدهم على النمو المهني من اجل تحسين اساليبهم ورفع مستويات أدائهم.
ويمارس الموجه التربوي عمله من خلال الزيارات وعقد الندوات التربوية للمدرسين دون الاهتمام بالعوامل المؤثرة الاخرى مثل البناء المدرسي والبيئة المحلية وغيرها , ويركز الموجه التربوي على تصنيف المدرسين الى فئات حسب مستويات ادائهم ومن ثم يقوم بزيارة الضعيفي المستوى لتوجيههم ويعمل التوجيه التربوي على تقوية العلاقات بين الموجه والمدرسين وتقديم العون للإدارة للتعرف على قدرات المدرسين وكذلك الاهتمام بالمناهج والكتب المدرسية ولذلك فان التوجيه التربوي اصبح عملية روتينية يتخللها في كثير من الاحيان الطابع التفتيشي
واما المرحلة الثالثة هي مرحله الاشراف التربوي ففي هذه المرحلة تم استبدال مصطلح التوجيه التربوي بالإشراف التربوي لان الاشراف اعم واشمل والتوجيه جزء منه، ولقد تطور مفهوم الاشراف التربوي بسبب التطورات السريعة في الفكر التربوي فاصبح عمليه تهدف الى مساعدة المدرسين والاخذ بأيديهم من اجل تطوير عملية التعليم ورفع مستويات اداء المدرسين من خلال برنامج مخطط قائم على التعاون والشورى والمبادأة بين المدرسين والمشرفين فالأشراف التربوي يقوم بالتنمية الشاملة للموقف التعليمي وتنميه قدرات جميع الاطراف المساهمة في العملية التربوية لكي يصبح المشرف التربوي في اطار هذا المفهوم قائدا تربويا ليس هدفه احداث تغيير في سلوك المدرسين التعليمي فقط بل احداث تغيير في جميع عناصر الموقف التعليمي فهذا يعني ان الاشراف التربوي عمليه تهتم بأمور كثيره وهي:
*تقوم على الدراسة والاستقصاء بدلا من التفتيش
*تشمل جميع عناصر العملية التربوية من مدرسين وطلبة ومناهج ووسائل وبيئة تعليمية بدلا من التركيز على المدرسين وحدهم.
*تستعين بوسائل ونشاطات متنوعة بدلا من الاقتصار على الزيارات والتقارير
*تقوم على التخطيط والتقييم التعاوني العلمي بدلا من التركيز على الجهد الفردي.
واخيرا يتميز الاشراف التربوي بتحليل جميع العوامل المؤثرة في العملية التعليمية وهو عمليه تتم منها التقويم والتطوير المستمر للعملية التعليمية ومتابعه تنفيذ كل ما يتعلق بها سواء اكانت ادارية ام تدريسية والاهتمام بالموقف التعليمي , حيث ترتقي الممارسات فيه الى عملية قيادية ديمقراطية تعاونية منظمة تهدف الى دراسة او تحسين وتقييم العوامل التي تؤثر على العملية التعليمية وتقوم العملية الاشرافية على الدراسة والاستقصاء بدلا من التفتيش وتشمل جميع عناصر العملية التربوية من مدرسين وطلبه وسائل وبيئة التعلم بدلا من التركيز على المدرسين وحدهم كما تستعين بوسائل ونشاطات متنوعة اي لا تقتصر على زيارات المدرسين الصفية.