تعاني اللغة العربية بالرغم من كونها اللغة الرسمية للوطن العربي الكبير بكافة بلدانه, وانها لغة الدين الاسلامي وممارسة الطقوس الدينية في البلاد العربية والاسلامية وفي بقاع المعمورة, وانها تهتم بالحضارة والثقافة لقرون عديدة , مرت بالعديد من الازمات والتحديات تحول من ان تجعلها لغة الدول والمجتمعات والمعرفة والعلوم في كافة المجالات وعلى جميع المستويات.
تواجه اللغة العربية في البلاد العربية مجموعة من المثقفين المتنفذين الذين ينادون علانية بضرورة ابقاء الوظائف العليا للغة في حوزة اللغات الاجنبية وخصوصا اللغة الانكليزية , واستبدال اللغة العربية الفصحى باللهجات المحلية(العامية).
ان النخبة الثقافية في البلاد العربية على مستوى الوطن العربي لم تهتم على ان تكون اللغة الوطنية (اللغة العربية) لغة الوظائف العليا للسان العربي للمواطنين العرب كما في جميع الدول المتقدمة الذين يتعلقون بلغتهم ويعتبرونها المثل الاعلى وينتمي الى ثقافتهما ولغتها معظم اولئك المثقفين, بل ان هذه الطبقة لم تدرك حجم الاشكال اللغوي واهميته الاستراتيجية لدى كل الامم المتقدمة او الراغبة في النهوض والتقدم والتنمية, وهذا ما تشير اليه مجموعة (صخر الاعلامية) في الكويت بأن النخبة المثقفة العربية لم تهتم بمستقبل اللغة العربية, لأنها تتحدث بلغات اجنبية, وبالتالي لا يهمها تعلم وتعليم وتطوير اللغة العربية.
ان المشكلة ليست في اللغة العربية كلغة, بل في السياسات اللغوية والتعليمية المتبعة في الدول العربية, والتي تتسم بالارتجالية والعشوائية والتناقض في كثير من الحالات لأنها تقصر من ان تعالج القضية اللغوية بالشكل المطلوب والضروري كما في مختلف الدول المتقدمة التي تهتم بلغاتها ولم تعط الدول العربية الاهمية اللازمة للمسالة اللغوية التي تعتبرها كل الدول والامم المتحضرة قضايا مصيرية واستراتيجية في مسيرة الاستقلال والتطور والتنمية فالدول العربية كثيرا ما اتخذت قرارات منعزلة ومنفردة وخارج السياق الحضاري للمجتمع ومن دون اشراك المختصين والفاعلين والخبراء وهو ما نتج عنه في النهاية فشل كل السياسات التعليمية واللغوية والثقافية.
ان البلدان العربية واعلانهم للمبادرات والقرارات وما تشرعه من قوانين في المسألة اللغوية ليس له اثر يذكر على ارض الواقع وان الذي نلاحظه من ممارسات وافعال يناقض ويعارض تماما ما يتم اقراره من قوانين مما يؤدي في النهاية الى اضعاف حضور اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد العربية في كل المستويات ويقلل من فاعليتها ووجودها وتأثيرها ويعطل ما تهدف اليه المناهج والبرامج المتعلقة بتعليم اللغة العربية وتعليمها.
لم تهتم البلدان العربية ببعض مجامع اللغة العربية التي تم تأسيسها ببعض الدول العربية وهذا ما يفسر تقاعس هذه الدول وتأخرها غير المبرر في متابعة تطوير المجامع اللغوية للغة العربية وعدم انشاء المؤسسات اللغوية القادرة على حماية وتطوير وتنمية اللغة العربية كلغة رسمية لهذه البلدان.
تواجه اللغة العربية داخل اوطانها وعلى يد الطبقة الحاكمة المتنفذة مجموعة من المشاكل والعراقيل التي لا تساعد على نمو وتطور اللغة العربية وازدهارها ومن ابرزها الاقصاء من الاستعمال في المجالات والقطاعات الحيوية العامة والخاصة ويقول احد المختصين في اللغة العربية(كيف يرجى للغة العربية ان تتقدم وتتطور وتنتشر وتزدهر اذ كنا بحجج واهية نمانع من استعمالها في الادارة والاقتصاد والحياة العامة بل ونرفض حتى مجرد مناقشة استعمالها في مجال التعليم العالي والتقني والعلمي والصناعي.
لا شك ان اللغة العربية تعاني من مشكلات متعددة بعضها موضوعي يرتبط بالمحيط الذي تعيش فيه, وبموقف الامة والحضارة والثقافة التي تحيا فيها, حيث يظهر حجم العناية والحماية والاهتمام الذي تخطى بها في المجال الثقافي والاجتماعي والعلمي وهي كما تؤكد كل المؤشرات عناية ضعيفة حد الاهمال رغم كونها لغة وطنية ورسمية لكل البلدان العربية.
اما الوجه الاخر لمشكلات اللغة العربية فهو ذاتي مرتبط باللغة العربية كلغة وهي مشكلات تشترك فيها مع لغات اخرى مثل(المصطلح, وتوسيع المعجم العام, والتفصيح, والاقتراض, والحوسبة) وهذه المشكلات لا يمكن معالجتها الا بتظافر جهود كل الفاعلين والمختصين , والاستفادة من المستجدات العلمية والتقنية في مجال اللسانيات العامة غير ان هذا الامر لم يحدث وما تزال اللغة العربية تعاني من الاهمال والتهميش ومن غياب العناية والحماية, بل تركت وشأنها تقاوم لوحدها دون عناية ولا رعاية.
عانت اللغة العربية منذ الاستعمار الغربي للبلاد العربية والاسلامية من مزاحمة ومحاربة لغات المستعمر ومن تأثير هذه اللغات عليها والاخطر من ذلك هو انه تم تركها بعد الاستقلال السياسي للبلدان العربية وهي تتطور بطريقة تلقائية وعشوائية وفوضوية دون توجيه او تخطيط او تدخل وهذا ما يجعل امرها صعبا بينما كان الامر يتطلب تخطيطا لغويا علميا تتوفر فيه الوسائل الضرورية الكفيلة بضمان تطور وتنمية اللغة العربية واول هذه الوسائل (التعريب) بكل اشكاله في الادارة والاعلام والتعليم والعلوم والمعارف بالإضافة الى تشجيع حركة الابداع الادبي والعلمي باللغة العربية وتوحيد جهود الدول العربية على مستوى تعريب المصطلح اللمي والتقني وتوحيد المضامين الملقنة وتوحيد اللغة العربية في المدارس والجامعات.