أ.د اياد هاشم محمد
يسلك الفرد العصابي في حياته طريق البحث الدائم عن المستحيل او المتعذر تحقيقه, مما يؤدي في النهاية الى الاجهاد النفسي والى الشك في امكاناته وقدراته واعتبار البيئة مصدرا للمتاعب والتهديد ولاثارة الصعوبات والتوترات وهو يحاول من خلال هذا البحث عن المستحيل, وانه يجعل خيبات امله ورفضه بلا وعي منه , او يبحث عن ظروف واعدة قادرة على تخليصه من معاناته لكنه لا يجيد التصرف عندما تسنح له مثل تلك الظروف الايجابية فيصاب بخيبات الامل من جديد , مما يولد فيه العدوانية كوسيلة دفاع ضد الحالات النفسية التي تشكل احد اهم اسباب معاناته, الا انه من الصعب استنباط الرغبات اللاواعية المكبوتة عند الفرد العصابي من خلال عدوانيته الظاهرية لان هذه العدوانية هي نوع من العدوانية المستعارة اي التي يحاول من خلالها زيادة حدة الغضب وليس من اجل استثارتها بهدف الدفاع عن النفس , فالعدوانية المستعارة ليست سوى وسيلة لاواعية لدفع العدو الى ذروة السخط والنقمة لتجريده من القدرة على السيطرة على الذات وعلى ضبط الانفعالات النفسية.
تشير الدراسات التحليلية النفسية الى عدم وجود اصابات عضوية تذكر وتؤكد على غياب هذه الاصابات والتي تجعل قدرة الفرد المصاب على القراءة والكتابة والتذكر, ما يدل على صراعات الفرد الداخلية تصطدم بالمواقف الحياتية فيصاب الفرد بنوع الارتجاج من خلال سلوك مبتذل وقريب من البلاهة , فالقصور المستعار ليس قناعا واعيا من الحماقة, بل هو سلوك لاواعي شبيه بسلوك الرجل الالي الذي تحركه الطاقة الكهربائية لان الفرد فيه الكثير من تصادم الصراعات المكبوتة مع الظروف الانية التي أيقظت المكبوتات من سباتها العميق, وهذا النوع من القصور يحتاج الى المعالجة لان المريض يكون عاجزا عن اتقان اي عمل الا اذا كان آليا ولا ينجح في تحقيق حاجاته, ولا في اشباع رغباته, وقد يبقى دائما يحتاج الى المساعدة.
هذا السلوك الذي يعبر عن العصاب , يؤكد على ان الفرد يعاني تفككا نفسيا وصعوبة في تحديد الحد الفاصل بين الشعور واللاشعور اي بين الوعي واللاوعي فلا يكون الفرد بالتالي واعيا لخطورة ما يكبته لكنه يعني ان اشياء كثيرة تحصل معه وتسبب له القلق , لكنه لا يفهم هذا الشعور فهو يدرك فقط ان شيئا ما في داخله يجعله حزينا ومضطربا نفسيا .
في هذا السياق يذكر التحليل النفسي حالة فرد كان قد زار يوما ما احدى عيادات التحليل النفسي بسبب عجز اهله عن وضع حد لا زعاجه المستمر الذي اعتبروه مشكلة , كان ذلك الفرد هو الولد البكر في العائلة وقد لاقى من التدليل والرعاية والاهتمام ما قد يتمتع به كل فرد بكر في عائلته لكن ولادة اخ صغير في العائلة حملت له مشاعر لم يكن قد احس بها من قبل, وهي الغيرة التي راح على اثرها , وكما هو معروف في عالم الغيرة الاخوية وهو ان يضطهد اخاه الصغير مما قام الابوان بأرساله الى مدرسة داخلية بعد ما فشلوا في معالجة غيرته وفي المدرسة الداخلية راح الفرد يغالي في حب الظهور معتبرا نفسه انسانا يتوجب على الجميع الانصياع لاوامره لأنه كان شديد العدوانية , وفي العيادة النفسية تبين ان الفرد كان قد ادخل الى المستشفى لبضعة شهور بعد ولادة اخيه فاعتقد الولد البكر بان اهله قد ابعدوه عمدا لان منافسا جاء ليحتل مكانه , ما سبب له قلقا من فقدان مكانته واهميته في العائلة, فأحس بالقلق من خسارة امه على وجه الخصوص وعند عودته الى المنزل راح يعبر عن قلقه من خلال اضطهاد اخيه الصغير ولما تم ابعاده الى المدرسة الداخلية تأكدت له صحة ذلك فـأصبح يشعر بالإهمال والحرمان العاطفي واصبح متفككا نفسيا بفقدان الثقة بأهميته كانه ارتد على ذاته من خلال المبالغة في حب الذات وفي السلوك العدواني لم يكن في عمقه سوى تعبير عن الغيرة المكبوتة.
لذا فان العصاب هو اضطراب وظيفي في الشخصية وان العصاب هو المرض النفسي وعادة ما يكون الاضطراب الفيزيولوجي مصحوبا بأعراض نفسية كالخوف والقلق وهناك عدة نظريات تناولت اسباب العصاب من بينها نظرية فرويد الذي ارجع اسباب العصاب الى الغريزة الجنسية والنزعات العدوانية المكبوتة تعود جذورها الى عقدة اوديب مما تنشئ صراعات بين (الانا والهو) وغيرهم الكثيرين من علماء النفس .
ان بعض الاضطرابات الفيزيولوجية ذات منشأ نفسي مثل الهستيريا وهناك عدة انواع من العصبات كالقلق والاكتئاب والهستريا وغيرها من الامراض النفسية اما العلاج فهناك العلاج بالعقاقير والعلاج السلوكي والنفسي والعلاج باللعب.